مقال (2)

 

 

النساء في الحج حكم وأحكام

 

الكاتبة: فاطمة بنت عويض الجلسي/جامعة الملك عبد العزيز بجدة.

الناشر: مجلة مناسك عام 1425هـ.

 

    الحمد لله الذي أكرم آدم وزجه وذريتهما فقال ] ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً [ .

    والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله القائل: ((النساء شقائق الرجال)).

    أما بعد: فإن شرائع الدين التي بنيت على رفع الحرج وجلب المنافع للناس جاءت وأحاطت المرأة بعناية عظيمة، وجعلت الأحكام الفقهية التي تعلقت بها تحفظ عليها دينها وحياتها وعقلها وعرضها ومالها، قال الله تعالى ] وما جعل عليكم في الدين من حرج [ وقال تعالى ] لا يكلف الله نفساً إلا وسعها [ وقال تعالى ] ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً [ وقال سبحانه وتعالى ] يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً [ وقال تعالى ] لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم [ وقال تعالى ] ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً [ .

    وإن المتأمل في مناسك الحج يجد عناية ظاهرة بما أودع الله عز وجل في المرأة من خصائص تختلف فيها عن الرجل فكان أن راعت أحكام هذه المناسك هذه الخصائص، وجعلت للمرأة أحكاماً تختلف فيها عن الرجل، يظهر من خلالها مراعاة ضعفها وحجابها وزينتها وأعذارها الطبيعية.. إلخ.

    *فمن ذلك: أن الحج عبادة من العبادات العظيمة التي يتقرب بها العباد إلى الله تعالى، فكانت مناسبة مهمة ليلتزم أهلها بأحكام الشرع الحنيف، وأن تتعلم المرأة كيف تلزم حجابها في الأوضاع الصعبة الحرجة من سفر وازدحام وأداء لمناسك يختلط فيها المتعلم بالجاهل والمتأدب بالسفيه، ومع ذلك هي مأمورة بلزوم حجابها والبعد قدر طاقتها عن التكشف والاختلاط بالرجال، وفي هذا تنبيه لها بأن يشتد حرصها على ذلك في غير هذا المكان والزمان.

    وقد أجمع العلماء على أن المرأة تلبس ما تشاء من الثياب التي تسترها ولا تجعلها كالرجل، وأنها تلبس الخفين والحرير والذهب والفضة، ولا تمنع من شيء من ذلك إلا من لبس النقاب، فإنها لا تلبسه، ولكنها إذا خشيت نظر رجل أجنبي إليها فإنها تسدل ثوبها على وجهها فتغطيه، حكاه إجماعاً ابن المنذر وابن الهمام وابن رشد والنووي وابن قدامة وغيرهم.

    أما القفازات فقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة منها حين قال: ((لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)) رواه البخاري، وقد أخذ الجمهور بهذا الحديث، وقالوا: للمرأة أن تغطي يديها بملاءتها، أو عباءتها ولكنها لا تلبس القفازات.

        فعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد جيد.

   وعن أسماء رضي الله عنها قالت: كنَّا نغطي وجوهنا من الرجال. رواه الحاكم بإسناد صحيح.

    وعن فاطمة بنت المنذر قالت: كنَّا نخمر وجوهنا ونحن محرمات. رواه الإمام مالك بإسناد صحيح.

    *ومنها: أن شعار الحج التلبية، وقد جاء الأمر بها والحث عليها والترغيب فيها للرجال والنساء، والنساء في هذا كالرجال.

    أما رفع الصوت فإن الشارع الحكيم راعى في المرأة تصونها وتعففها عن الظهور أمام الرجال فجعل السنة في حقها عدم رفع الصوت بها والاكتفاء بإسماع نفسها دون غيرها حكاه ابن المنذر إجماعاً.

    *ومنها: أن الطواف والسعي من مناسك الحج التي تحتاج إلى جهد بدني واستنفار نفسي خاصة مع طول المسافة في السعي وشدة الزحام في الطواف، فخفف الشارع الحكيم عن المرأة في هذا الباب في عدّة أمور مراعاة لضعفها واستبقاء لخصائص أنوثتها وتصونها.

    لذلك لا يشرع للمرأة اضطباع ولا رَمَل، حكاه ابن المنذر إجماعاً.

    والاضطباع: وضع وسط الرداء تحت الإبط الأيمن والرمي بطرفيه على العاتق الأيسر.

    والرمل: الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى.

    بل يسقط عنها طواف الوداع في حال حيضها، ولا دم عليها. وهو اتفاق علماء الأمصار.

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض. متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام في حق صفية رضي الله عنها لما حاضت وكانت قد طافت للإفاضة: ((فلتنفر إذن)) متفق عليه. والنفساء مثلها في الحكم.

    وكذلك لا يشرع للمرأة الصعود على جبلي الصفا والمروة؛ لأنه مظنة انكشافها وظهور حجم أعضائها أمام الرجال الأجانب، ولأن الرَمَل والصعود يقصد منهما إظهار القوة والجلد والمرأة خفف عنها في هذا الباب.

    *ومنها: أن التحلل من النسك بعد الفراغ منه يكون بالحلق أو التقصير في حق الرجال، أما المرأة فالحلق والتقصير في حقها مظنة مثلة (تشوه صورتها) وفقدها لركن عظيم من أركان جمالها، فخفف الشارع عنها وجعل تحللها بعد الفراغ من النسك يحصل بقص جزء يسير من طرف شعرها لا يتجاوز قدر الأنملة، والأنملة: رأس الأصبع الذي فيه الظفر.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير)) رواه أبو داود بإسناد جيد.

    *ومنها: أن المرأة التي جاءت للحج كالرجل في الاغتسال في الميقات والإحرام منه والإتيان بجميع مناسك الحج وإن كانت في حال حيض أو نفاس إلا في الطواف فإنها تمسك عنه إلى أن تطهر من حيضها، وفي هذا مراعاة لحال المرأة وما خلقها الله عليه من حيض ونفاس وأمور تعتريها تمنعها من فعل بعض العبادات، فجاء الشارع ليمكنها من أداء جميع مناسك الحج حتى مع وجود هذه الأعذار ولا يحرمها منها، وأخّر طوافها إلى أن تتطهر من حيضها أو نفاسها.

    وقد نفست أسماء بنت عميس رضي الله عنها وهي في طريقها إلى مكة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل ثم تهل بالحج وتصنع ما يصنع الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت. رواه النسائي وابن ماجه.

    وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) متفق عليه.

    *ومنها: اشتراط المحرم في حج المرأة: والمتأمل في حال المرأة يجد أن الشارع الحكيم قد أحاطها بسياج منيعة تحفظ عليها عفتها؛ من حجاب وبعد عن الاختلاط بالأجانب، كل هذا وغيره لحفظ المرأة عفيفة نقية بعيدة عن أسباب الفساد، ومعلوم أن سفر المرأة للحج يتطلب منها البروز والاختلاط بالرجال والمبيت خارج بيتها، وهذا يجعلها في دائرة طمع ضعاف النفوس الذين يتصيدون ما سنح لهم من فرص للعبث بأعراض النساء؛ لذلك جاء الأمر الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بمنع المرأة من الحج بدون محرم، والتخفيف عنها بإسقاط هذه العبادة العظيمة عنها، وحفظها من التعرض لما يشينها.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: ((فانطلق فحج مع امرأتك)) متفق عليه.

    ولم يختلف قول الأئمة الأربعة في منع المرأة من السفر بدون محرم إلا في حج الفريضة، وقد سعد بالتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الإمامان أبو حنيفة وأحمد رحم الله الجميع.

    ولو ظللنا نتتبع ما خصت به النساء من أحكام وآداب في الحج لطال بنا الحديث ولكن فيما ذكرنا يظهر من خلاله جلياً ما خصت به المرأة من أمور تكون سبباً في حفظها وصونها، وتظهر عناية الشرع المطهر بها.

    فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان وأن جعلنا من أمة خير الأنام صلى الله عليه وسلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


آخر تحديث
11/22/2008 12:45:04 AM