كيف تجعلين حجك مبرورا
مقال تحت النشر بمجلة مناسك لهذا العام
ما من مسلم على وجه المعمورة إلا وهو يتوق ليكون حجه مبروراَ، كيف لا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) .
فما السبيل ليكون حجك مبروراَ؟ نقف وقفات مع الحج المبرور ونذكر أهم ما يتميز به علنا نعمل به لنفوز بحج مبرور نرضي به الله عز وجل وننال به موعوده.
أولاَ: الإخلاص لله تعالى: فلا تؤدي المسلمة فريضة الحج لتتزين بها عند الناس وتطلب مدحهم وإنما يكون فعلها ابتغاء وجه الله تعالى، قال الله تعالى (تبارك الذي بيده الموت وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا).
قال الفضيل بن عياض مفسراَ قوله تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملاَ) قال: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاَ ولم يكن صواباَ لم يقبل، وإذا كان صواباَ ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاَ صواباَ، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة. ثم قرأ قوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).
والإخلاص هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
قال الجنيد رحمه الله: الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله.
وكثير من النصوص تدل على منزلة الإخلاص فلا يقبل عمل إلا به، قال الله تعالى (وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباء منثوراً) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عن ربه عز وجل: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
وفي شأن الحج: يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه).
ومن ثمار الإخلاص في الحج أن تكون الحاجة مقبلة على المناسك بعيدة عن الخوض فيما لا يعنيها صابرة محتسبة.
ثانياً : التمسك بهدي النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الشرط الثاني لقبول العمل بعد الإخلاص، قال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) لما كثر المدعون للمحبه طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى.
فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع النبي عليه الصلاة والسلام في أفعاله وأقواله وأخلاقه.
فهذه الآية ميزان محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فمن كان محباً لله تعالى محباً لرسوله فإن دليل صدقه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في حب المحبوبات وبغض المكروهات. ذلك أن المحبة هي الموافقة في كل الأحوال، وليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده ولم يتبع نبيه.
أجد الملامة في هواك لذيذةٌ حبا لذكرك فليلمني اللومُ
ويلاحظ في الحج نظرا لما قد تلقى الحاجة من التعب والجهد في السفر أن بعضهن قد تبحث عن الرخص والتسهيلات ولو كانت خلاف السنة، مع أن الحج كما وصفه الله تعالى أياماً معدودات، تستحق الصبر والمجاهدة على ماتلقى الحاجة من مشقة الحج، فهو جهادها كما قال عليه الصلاة والسلام: (عليكن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة ) فلتلتزم باتباع السنة.
قال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل : من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة.
وقال محمد بن سيرين: لايزال الناس بخير ما أخذوا بالأثر.
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حادياَ
وقال عمر بن عبد العزيز: ألا لا سلامة لامرئ بعد الإسلام في خلاف السنة .
ثالثاً: حفظ اللسان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
قال النووي: إن استوى الكلام وتركه في المصلحه فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء.
فالصمت يجمع للمرئ فضيلتين: السلامة في دينه، والفهم عن صاحبه.
والصمت زينة من غير حلي، هيبة من غير سلطان، وقد تهاونت الكثيرات في هذا الباب، فأكثرن من ذكر عيوب ونقائص القائمين على الحملات وتتبعوا هفواتهم، وقد حذر الله تعالى ورسوله من الغيبة وهي ذكر العيب في الغيب، قال الله تعالى (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) فهل تطيب نفسك أختي الحاجة أن تأكلي لحم اجتمع فيه ثلاث صفات كل واحدة منها في منتهى القبح والفظاعة، وهي كونه لحم إنسان، وهذا الإنسان أخوك المسلم، وهذا المسلم ميت؟!
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته).
وأمر اللسان أمر خطير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لايستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولايستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه).
وحري بالحاجه أن تشتغل بالذكر والدعاء خاصة وأنها قد اجتمع لها من أسباب الإجابة الكثير فهي في سفر والمسافر ممن لاترد دعوتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم).
وهي من وفد الله الذين قال عنهم رسول الله (الغزي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم ).
وفي أشرف الأوقات التي أقسم الله تعالى بها (والفجر وليالٍ عشر) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) فلتحسن استغلال وقتها ولا تفرط في دقائق وساعات أيامها، فدقائق العمر غالية فلا ترخصها بالغفلة ولتضع في ذهنها أنها الحجة الأخيرة فقد تكون في أيامها الأخيرة التي بعدها ينطفأ مصباح العمر وتطوى صحائفه، فلعمر ساعة وهنيئاَ لمن جعلها في طاعة، ولتقرأ عن حال السلف في الحج لتتوق نفسها إلى ما كانوا عليه من اجتهاد في العبادة وبذل للأموال وإحسان للناس.
رابعاً : التحلي بالأخلاق الفاضلة، لاسيما الصبر، والأخلاق الفاضلة لها شأن عظيم في الإسلام، فهي أثقل شيء في الميزان يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق).
وسأل عمرو بن عبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: (طيب الكلام، وإطعام الطعام) قال: قلت: ما الإيمان؟ قال: (الصبر والسماحة) والصبر هو حبس النفس عن الجزع والتسخط وحبس اللسان عن الشكوى.
وقد تكرر ورود لفظ الصبر في القرآن الكريم كما قال الإمام أحمد في نحو تسعين موضعاً، أمراً به وناهياً عن ضده وثناءً على أهله، وبياناً لأبرز صفاتهم وأحوالهم، وذكراً لحب الله لهم، وكونه معهم ضامناً النصر لهم، وأن الصابر يورث درجة الإمامة، وأنه صاحب أعظم جزاء، قال الله تعالى (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون).
وقال تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ومعلومٌ أن الحاجة تخالط في حجها أناساً من شتى بقاع العالم، منهم الجاهلة ومنهم المتعلمة والصغيرة والكبيرة والقوية والضعيفة فعليها أن توقر العالمة وتعرف قدرها، وتعلم الجاهةه وتحتمل جهلها، وترحم الصغيرة وتوقر الكبيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم إذا كان مخالطاً الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لايخالط الناس ولا يصبر على أذاهم).
كما عليها أن تحترم الأنظمة والتعليمات التي وضعت لتنظيم الحج من قبل السلطات المنظمة للحج والتعليمات التي وضعها المشرفون على الحملات فلا تخالف ولا تنتقد ولا تتذمر وتصبر وتحتسب. والله الموفق.
د/ فاطمة بنت عويض الجلسي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
|